كتاب السياسة

اشارة

نام كتاب: كتاب السياسة
نويسنده: ابوعلي حسين بن عبدالله ابن سينا
تاريخ وفات مؤلف: 428 ق
موضوع: سياست
زبان: عربي
تعداد جلد: 1
ناشر: دارالعرب
مكان چاپ: قاهره
سال چاپ: 1985
نوبت چاپ: سوم
ملاحظات: اين كتاب در ضمن كتاب مقالات فلسفية لمشاهير المسلمين و النصاري چاپ شده است.

توطئة

كتاب السياسة لابن سينا عني بنشره و تعليق حواشيه حضرة الاب لويس معلوف اليسوعيّ ان في تاريخ الاطبّاء لابن ابي اصيبعة كلاما مسهبا مدقفا في مؤلفات ابن سينا فسرد لها جدولا واسعا و عدّدها حتي اصغرها و اقلّها قدرا لكنه اغفل مقالة للشيخ الرئيس في السياسة كانت و لم تزل نادرة الوجود ففي هذه الاقطار لم يقع نظرنا علي نسخة منها و لا بلغنا من امرها شي‌ء. و العلّامة كارا ده‌فو الذي تفقّد ما طبع في اوربا و سواها من تآليف ابن سينا او ما استلفت منها الحاظ المستشرقين قد قال في اثناء كلامه عن كتبه الفلسفية «ان ما وضعه ذلك الامام في الفلسفة الادبية لهو نزر قليل و انما يعرف له في هذا الباب رسالة في الاخلاق مصونة في احدي كتبخانات الآستانة «1»». فالعلّامة المذكور هو ايضا قد اغفل هذه الرسالة علي انه كان يحقّ لها ذكر و هي كما نرتئيه حلقة ثمينة من سلسلة مباحث ابن سينا الفلسفيّة و ممّن رأي هذا الاثر الجليل في جملة مخطوطات زمانه الحاج خلفا فذكره منذ اربعمائة سنة في كتابه كشف الظنون (طبعة اوربّة 3: 412) و لم يتّسع في وصفه كأنه لم يجد موجبا للامر مع شهرة الكتاب علي ان هذا التأليف النفيس لم يفقد و الحمد للّه. فان مكتبة ليدن الشهيرة في هولندة تحتوي منه نسخة في احد مجاميعها الفلسفيّة و هو مجموع ثمين يتضمّن 13 رسالة من رسائل الشيخ الرئيس كتبت علي عهده كما يستدل من بعض الحواشي التي يقال فيها انّ الكتاب بيع بيعا شرعيّا للمسمّي محمّد بن محمّد بن احمد سنة 408 (1018 م) اعني عشرين سنة قبل وفاة ابن سينا.
و اكثر هذه الرسائل معروفة منها عدّة نسخ مخطوطة و بعضها نشر بالطبع. امّا الخامسة منها فهي ضالّتنا المنشودة اعني رسالة الشيخ الرئيس في السياسة فما وقفنا عليها حتّي تحقّقنا ما لها من الشأن الخطير اذ ليس في مكاتب اوربّة نسخة سواها فاسرعنا الي اخذ صورتها و لم يكن ذلك دون شديد العناء لانّ النسخة المذكورة هي غفل لا نقط فيها علي الاحرف و لذا يصعب مرارا كثيرة تحقيق الكلمة و ادراك المعني. لكن كل عناء عددناه راحة لرغبتنا في تعريف هذه الدرّة و اهدائها للقرّاء الكرام
__________________________________________________
(1) 05 I. P, ennecivA: xuaV ed arraC
كتاب السياسة، ص: 2
و لا حاجة للتنبيه علي ان كلمة السياسة في عرف الاقدمين من فلاسفة العرب يراد بها علي وجه الاطلاق تلافي الخلل و اصلاح ما فسد. و لمّا كان الاحري و الاجدر بالانسان اصلاح ما فسد فيه او بسببه قد وضع البعض منهم مقالات و رسائل تختلف محتويات ابوابها و لكن مرجعها الي ما قلنا. و قد سبقت مجلة المشرق فنشرت في سنتها الرابعة رسالة في السياسة لابي نصر الفارابي تذكر هنا تقاسيمها مع تقسيم رسالة ابن سينا فتري من هذه المقابلة منهج ذينك الرجلين العظيمين في هذه المباحث و الفرق بين الرسالتين فالفارابي بعد المقدمة تكلم. 1 عن سياسة المرء مع رؤسائه 2 عن سياسته مع اكفائه 3 عن سياسته مع من دونه و يختم كلامه بذكر سياسة المرء لنفسه. اما ابن سينا فيقسم رسالته خمسة اقسام هذه اسماؤها: 1 في سياسة الرجل نفسه 2 في سياسة الرجل دخله و خرجه 3 في سياسة الرجل اهله 4 في سياسة الرجل ولده 5 في سياسة الرجل خدمه. و قد اتي في مقدمته علي ما يبين حكمة تقسيم المادّة كما سبق

[النص]

اشاره

كتاب السياسة بسم اللّه الرّحمن الرّحيم و ما توفيقي الّا بالله. عليه توكّلت و هو حسبي الحمد للّه الذي نهج لعباده بما دلّهم عليه من حمده سبيل شكره و أشرع لهم بما هيّأهم له من شكره ابواب مزيده و منّ عليهم بالعقل الذي جعله لدينهم عصمة و لدنياهم عمادا و قائمة و حباهم بالنطق الذي جعله فرقا بينهم و بين البهائم العجم و الأنعام البكم. فالحمد للّه حمدا كثيرا علي ما عمّ من حسن تدبيره و شمل من لطف تقديره حتي حاز كل صنف من اصناف خلقه حظّه من المصلحة و استوفي كل نوع سهمه من المرفق و المنفعة. فلم يفت جميل صنعه صغيرا و لا كبيرا بل افاض عليهم جميعا من سوابغ نعمه و شوامل مواهبه ما صلحت به احوالهم و تمّ بمكانه نقصهم و قوي
كتاب السياسة، ص: 3
من اجله عجزهم. ثم خصّ بني آدم بخصائص من نعمه فضّلهم بها علي كثير من خلقه فجعلهم احسن الخلق و طبائعهم اكمل الطبائع و تركيبهم اعدل التركيب و معيشتهم انعم المعاش و سعيهم في منقلبهم اردّ السعي الي العقول الرضيّة التي امدّهم بها و الاحلام الراجحة التي أيّدهم بفضلها و الآداب الحسنة التي البسهم جمالها و الاخلاق الكريمة التي زيّنهم بشرفها مع التمييز الذي اراهم به فرق ما بين الخير و الشر و خلاف ما بين الغيّ و الرشد و فضّل ما بين الصانع و المصنوع و المالك و المملوك و السانس و المسوس حتي صار ذلك طريقا لهم الي معرفة «1» ما بين الخالق و المخلوق و سبيلا واضحا الي تثبيت الصانع القديم إلّا جحود عناد او مكابرة عيان‌

(التفاوت بين الناس في الصفات و الرتب)

ثم منّ عليهم بفضل رأفته منّا مستأنفا بان جعلهم في عقولهم و آرائهم متفاضلين كما جعلهم في املاكهم و منازلهم و رتبهم متفاوتين لما في استواء احوالهم و تقارب اقدارهم من الفساد الداعي الي فنائهم لما يلقي بينهم من التنافس و التحاسد و يثير من التباغي و التظالم. فقد علم ذوو العقول ان الناس لو كانوا جميعا ملوكا لتفانوا عن آخرهم و لو كانوا كلهم سوقة لهلكوا عيانا باسرهم كما انهم لو استووا في الغني لما مهن احد لاحد و لا رفد حميم حميما و لو استووا في الفقر لماتوا ضرّا و هلكوا بؤسا. فلمّا كان التحاسد من اطباعهم و التباهي من سوسهم و في اصل جوهرهم كان اختلاف اقدارهم و تفاوت احوالهم سبب بقائهم و علّة لقناعتهم. فذو المال الغفل من العقل العطل من الادب المدرك حظه من الدنيا بأهون سعي اذا تأمل حال العاقل المحروم و اكدار الحوّل «2» القلب «3» ظنّ بل ايقن ان المال الذي وجده مغير من العقل الذي عدمه. و ذو الادب المعدم اذا تفقّد حال المثري الجاهل لم يشك في انه فضّل عليه و قدّم دونه و ذو الصناعة التي تعود عليه بما (r 94) يمسك رمقه لا يغبط ذا السلطان العريض و لا ذا الملك المديد و كل ذلك من دلائل الحكمة و شواهد لطف التدبير و امارات الرجمة و الرأفة
__________________________________________________
(1) و في الاصل: المعرفة
(2) الشديد الاحتيال
(3) البصير بتقليب الامور
كتاب السياسة، ص: 4

(لزوم التدبّر و السياسة لجميع الناس)

و احقّ الناس و اولاهم بتأمل ما يجري عليه تدبير العالم من الحكمة و حسن اتقان السياسة و احكام التدبير الملوك الذين جعل اللّه تعالي ذكره بايديهم أزمّة العباد و ملّكهم تدبير البلاد و استرعاهم امر البريّة و فوّض اليهم سياسة الرعيّة. ثم الأمثل فالامثل من الولاة الذين أعطوا قياد الامم و استكفوا تدبير الامصار و الكور ثم الذين يلونهم من ارباب النعم و سوّاس البطانة و الخدم ثم الذين يلونهم من ارباب المنازل و روّاض الاهل و الولدان. فان كل واحد من هؤلاء راع لما يحوزه كنفه و يضمّه رحله و يصرفه امره و نهيه و من تحت يده رعيته و يحتاج اصغرهم شأنا و اخفّهم ظهرا و أرقّهم حالا و اضيقهم عطنا «1» و اقلّهم عددا من حسن السياسة و التدبير و من كثرة التفكير و التقدير و من قلة الاغفال و الاهمال و من الانكار و التأنيب و التعنيف و التأويب و التعديل و التقويم الي جميع ما يحتاج اليه الملك الاعظم بل لو قال قائل ان الذي يحتاج اليه هذا من التيقّظ و التنبّه و من التعرّف و التجسّس و البحث و التنقير و الفحص و التكشيف او من استشعار الخوف و الوجل و مجانبة الركون و الطمأنينة و الاشفاق من انفتاق الربق و اختلاف السدّ أكثر لأصاب مقالا. لان الفذ الذي لا ظهير له و الفرد الذي لا معاضد له احوج الي حسن العناية و احقّ بشدة الاحتراز من المستظهر بكفاية الكفاة و رفد الوزراء و الاعوان و لانّ المعدم الذي لا مال له يحتاج من ترقّح «2» العيش و مرمّة «3» الحال الي اكثر ما يحتاج اليه الغنيّ الموسر و لعل منكرا ينكر تمثيلنا احوال السوقة باحوال الملوك او عائبا يعيب موازنتنا بين الحالين او قادحا يقدح في مساواتنا بين الامرين. فليعلم المتكلف في النظر في ذلك انّ تكلّمنا في تقارب الناس في الاخلاق و الخلق و في حاجات الانفس و في دواعي الاجساد و المنازل دون المراتب و الاخطار و الاقدار
__________________________________________________
(1) اي اضيقهم حالا و ما لا
(2) يقال ترقّح لعياله اي تكسّب لهم
(3) مرمّة الحال اصلاحها
كتاب السياسة، ص: 5

(اهل الانسان)

اشاره

ثم ليعلم ان كل انسان من ملك و سوقة يحتاج الي قوت تقوم به حياته و يبقي شخصه ثم يحتاج الي إعداد فضل قوته لما يستأنف من وقت حاجته و انه ليس سبيل الانسان في اقتناء الاقوات سبيل سائر الحيوان الذي ينبعث في طلب الرعي و الماء عند هيجان الجوع و حدوث العطش و ينصرف عنهما بعد الشبع و الريّ غير معبئ بما افضله و لا حافظ لما احتازه و لا عالم بعود حاجته اليهما بل يحتاج الانسان الي مكان يخزن فيه ما يقتنيه و يحرسه لوقت حاجته فكان هذا سبب الحاجة الي اتخاذ المساكن و المنازل.
فلمّا اتخذ المنزل و احرز القنية احتاج الي حفظها فيه ممّن يريدها و منعها عمّن يرومها. فلو انه أقام علي القنية حافظا لها راصدا لطلابها اذن أفناها قبل ان يزيد فيها. فاذا (v 64) اقتني ثانية عادت حاجته الي حفظها فلا يزال ذلك دأبه حتي يصير في مثل حيز البهيمة التي تسعي الي مرعاها مع حدوث حاجتها. فاحتاج عند ذلك الي استخلاف غيره علي حفظ قنيته فلم يصلح لخلافته في ذلك الّا من تسكن نفسه اليه و لم تسكن نفسه الّا الي الزوج التي جعلها اللّه تعالي ذكره للرجل سكنا و كان ذلك سبب اتخاذ الاهل و لما يغشي الاهل بالامر الذي جعله اللّه سببا لحدوث الذرّية و علّة البقاء و النسل حدث الولد و كثر العدد و زادت الحاجة الي الاقوات و إعداد فضلاتها لاوقات الحاجة احتاج عند ذلك الي الاعوان و القوّام و الي الكفاة و الخدّام فاذا به صار راعيا و صار من تحت يده له رعيّة فهذه امور قد استوي في الحاجة اليها الملك و السوقة و الراعي و المرعي و السائس و المسوس و الخادم و المخدوم لان كل انسان محتاج في دنياه الي قوت يمسك روحه و يقيم جسده و الي منزل يحرز فيه ذات يده و يأوي اليه اذا انصرف عن سعيه و الي زوج تحفظ عليه منزله و تحرز له كسبه و الي ولد يسعي له عند عجزه و يمونه «1» في حال كبر و يصل نسله و يحيي ذكره من بعده و الي قوّام و كفاة يعينونه و يحملون ثقله و اذا اجتمع هؤلاء كان راعيا و مسيما و كانوا له رعايا و سوّاما. و كما ان المسيم يلزمه ان يرتاد مصالح سائمته من الكلاء و الماء نهارا و من الحظائر و الزراب ليلا و ان يذكي عيونه في كلائها
__________________________________________________
(1) يقوم بكفايته
كتاب السياسة، ص: 6
و يبث كلابة في اقطارها ليحرسها من السباع العادية و من الآفات الطارقة من السرق و الغارة و النهب و ان يختار لها المشتي الدفي‌ء و المصيف الريح و يرود لها في طلب الكلاء و النطف «1» العذاب و ان يتحيّن وقت عملها و ان يترقّب حين نتاجها و يلزمه بعد ذلك ان يسوقها الي مصالحها و يصرفها عن متألفها بنعيقه و صفيره و بزجره و وعيده. فان كفاه ذلك في حسن انقيادها و استقامة ضلعها و الّا اقدم عليها بعصاه. كذلك يلزم ذا الاهل و الولد و الخدم و التّبع معها يحق عليه من حفظهم و حياطتهم و من تحمّل مؤنهم و إدرار اوراقهم إحسان سياستهم و تقويمهم بالترغيب و الترهيب و بالوعد و الوعيد و بالتقريب و التبعيد و بالاعطاء و الحرمان حتي تستقيم له قناتهم فهذه اقاويل مجملة في وجوب السياسة و الحاجة اليها و سنتبعها بامثلة مفسرة في ابواب مفصّلة بعد ان نقدّم قبلها بابا في سياسة الرجل نفسه فان ذلك احسن في النظم و ابلغ في النفع ان شاء اللّه تعالي
1 في سياسة الرجل نفسه‌

1 في سياسة الرجل نفسه‌

ان اول ما ينبغي ان يبدأ به الانسان من أصناف السياسة سياسة نفسه اذ كانت نفسه اقرب الأشياء اليه و اكرمها عليه و اولاها بعنايته و لانه متي احسن سياسة نفسه لم يعي بما فوقها من سياسة المصر. و من اوائل ما يلزم من رام سياسة نفسه ان يعلم ان له عقلا هو السائس و نفسا امّارة بالسوء كثيرة المعايب جمّة المساوئ في طبعها واصل خلقها هي المسوسة (r 65) و ان يعلم ان كل من راء اصلاح فاسد لزمه ان يعرف جميع فساد ذلك الفاسد معرفة مستقصاة حتي لا يغادر منه شيئا ثم يأخذ في اصلاحه و الّا كان ما يصلحه غير حريز و لا وثيق. كذلك من رام سياسة نفسه و رياضتها و اصلاح فاسدها لم يجز له ان يبتدئ في ذلك حتي يعرف جميع مساوئ نفسه معرفة محطية فانه ان اغفل بعض تلك المساوئ و هو يري انه قد عمّها بالاصلاح كان كمن يدمل ظاهر الكلم و باطنه مشتمل علي الداء. و كما ان الداء اذا قوي علي الاعمال و طول الترك نقض الاندمال و قذف الجلد حتي يبدو لعين الناظر. كذلك العيب الواحد من معايب النفس اذا أغفل عنه كامنا حتي اذا لاح له وجه ظهور طلع مكتمنه آمن ما كان
__________________________________________________
(1) جمع نفطة و هي الماء الصافي
كتاب السياسة، ص: 7
الانسان له. و لمّا كانت معرفة الانسان نفسه غير موثوق بها لما في طباع الانسان من الغباوة عن مساوئه و كثرة مسامحته نفسه عند محاسبتها و لأن عقله غير سالم عن ممازجة الهوي اياه عند نظره في احوال نفسه كان غير مستغن في البحث عن احواله و الفحص عن مساوئه و محاسنه عن معونة الاخ اللبيب الوادّ الذي يكون منه بمنزلة المرآة فيريه حسن احواله حسنا و سيّئها سيئا و احق الناس بذلك و احوجهم اليه الرؤساء فان هؤلاء لمّا خرجوا عن سلطان التثبّت «1» و عن ملكة التصنّع تركوا الاكتراث للسقطات و تعقّب الهفوات بالندمات فاستمرّت عادتهم علي كثرة الاسترسال و قلّة الاحتشام الّا قليلا منهم برعت عقولهم و رجحت احلامهم و نفذت في ضبط انفسهم بصائرهم فحسنت سيرتهم و استقامت طريقتهم. و مما زاد في عظم بلائهم باكتتام عيوبهم عنهم أنهم هيّبوا عن التعبير بالمعايب مواجهة و عن النقص و الذم مشافهة و خيفوا في اعلان الثلب و العضب و الشنع «2» و الجذب و الهمز و اللمز بظهر العيب. فلمّا انقطع علم ذلك عنهم ظنوا ان المعايب تخطّتهم و المثالب جاوزتهم فلم تعرّج بخططهم و لم تعرس بأفنيتهم و ليس كذلك حال من دونهم من الرعاع و السوقة فان احدهم لو رام ان يخفي عنه عيوبه يبدهه محبّه بها و يتدارك عليه باقبحها ما استطاع ذلك. فانه يخالط الناس و يلابسهم ضرورة و المخالطة تحدث المجادلة و المدافعة و ذلك من اسباب المخاصمة و المخاصمة تؤدّي الي التعايب بالمثالب و الترامي بالعار و عند ذلك يكاد كل واحد من الفريقين لا يرضي بذكر حقائق عيوب صاحبه بل يتهمه بالباطل و يفتعل عليه الزور فهؤلاء قد كفوا استرشاد جلسائهم و بثّ الجواسيس في تعرّف عيوبهم من قبل أعدائهم فانها قد جلبت اليهم من غير هذا الطريق. فاما من يسالم من السوقة الناس فلا يساورهم «3» و يؤاتيهم و لا يلاحيهم فانه لا يعدم من ينبّهه علي عيبه و ينصحه في نفسه من حميم و قريب و خليط و جليس و أكيل و ممّا زاد في فساد حال الملوك و الرؤساء ما أتيح لهم من قرناء السوء و قيّض لهم من جلساء الشرّ الذين لو انهم لمّا خاسوا «4» بعهدهم و راغوا «5» في صحبتهم و غشّوهم (v 65)
__________________________________________________
(1) تثبّت في الامر تأني فيه
(2) الاستقباح
(3) يواثبهم
(4) نقضوا عهدهم
(5) مكروا
كتاب السياسة، ص: 8
في عشرتهم بتركهم صدقهم عن انفسهم و تنبيههم عن عوراتهم لم يغشّوهم بالثناء الكاذب و لم يغروهم بالتقريظ الباطل و لم يستدرجوهم باستصابة خطئهم لكانوا اخفّ ذنوبا و ان كانوا غير خارجين عن لؤم العشرة و دناءة الصحبة. و لعلّ احدهم اذا تنوّع في إقامة عذره و تنطّع «1» في تخفيف جرمه قال: «انما ندع نصحهم في انفسهم و صرفهم عن احوالهم إشفاقا من حميّتهم و حذرا من أنفتهم و خوفا من استثقالهم النصيحة فان للنصح لذعا كلذع النار و حرّا كحرّ السنان. فنحن نخاف ان فعلنا ذلك بهم ان لا نربح الّا استيحاشهم لنا و نفارهم منّا و ازورارهم عنّا و عن عشرتنا فلأن نظفر بهم مع زللهم خير لنا و لهم من ان نحرّق عليهم فلا هم يبقون لنا و لا نحن نبقي لهم». هذا اذا كان الصاحب رفيقا متثبتا. فامّا اذا كان اخرق متهورا فانه يقول: «لا نأمن من سقوط منزلتنا و انقطاع خلطتنا مع سورة غضبه و بادرة سطوته». فيقال له: «انك اذا بنيت امرك في صحبة من تصحب علي الدين و المروءة لم يلزمك ان تراعي غيرهما فيما تأتي و تذر و اذا اقتديت بهما و عشوت الي نورهما لم تضلّ في طريق صحبة من صحبت» و قد قضيت فيك بان صاحبك احد رجلين امّا حازم رفيق متثبت و اما أخرق متهوّر فالرفيق المتثبت لأحوز عليه فضل ما يسديه نصحك و ان هو ارتاع و وجم و حمي انفه و ثني عطفه في اول ما يرد عليه منك. فاذا تثبّت و فكّر و قدّر عرف الخير الذي قصدته و الصلاح الذي اممته فرجع اليك احسن الرجوع. و اما الاخرق المتهوّر فانت غير آمن من خرقه في ايّ حال شايعته او خالفته. و ليس من الرأي لك ان تصحب من هذه صفته فتحتاج الي هدايته و اعلم انه ليس لك و ان كان طريق ارشاد العاقل عن رعنه «2» ان تركبه هائما و تسلكه خابطا و لكن ينبغي لك ان تمسّ العاقل بالمشورة عليه مسّك الشوكة الشائكة بجسدك و القرحة الدامية من بدنك علي ألين ما تمسّ و أرفق القول و أخفض الصوت و في أخلي المواطن و استر الاحوال. و التعويض فيها أبلغ من التصريح و ضرب الامثال احسن من التكشيف. فان رأيت صاحبك يشرئبّ لقولك اذا بدر منك و يهشّ له و يصغي
__________________________________________________
(1) يقال تنطّع في الكلام اي تحذّق فيه و تأنّق
(2) الرعن الغيّ
كتاب السياسة، ص: 9
اليه فأسبغ القول في غير إفراط و لا إسهاب و لا إملال و لا تزد علي الوجه الواحد من الرأي و دعه يختمر في قلبه و يتردّد في جوانحه فيعلم بتخلّي مغبّته. و ان رأيت صاحبك لا يكترث لكلامك اذا ورد عليه فاقطعه و أحل معناه الي غير ما اردته و أخّره الي وقت نشاطه و فراغ باله و ينبغي لمن عني بتعرّف مناقبه و مثالبه ان يفحص عن أخلاق الناس و يتفقّد شيمهم و خلائقهم و يتبصّر مناقبهم و مثالبهم فيقيسها بما عنده منها و يعلم انه مثلهم و أنهم أمثاله فانّ الناس أشباه بل هم سواء كاسنان المشط. فاذا رأي المنقبة الحسنة فليعلم انّ فيه مثلها امّا ظاهرة و امّا مغمورة فان كانت ظاهرة فليراعها و ليواظب عليها حتي لا تبيد و لا تضمحلّ و ان كانت مغمورة فليثرها و ليحيها و ليحافظ علي استدعائها فانها تجيب باهون سعي و اسرع وقت. و اذا رأي المثلبة و العادة السيئة و الخلق (r 66) اللئيم فليعلم ان ميلها راهن لديه امّا باد و امّا كامن فان كان باديا فليقمعه و ليقهره و ليمته بقلة استعماله و شدّة نسيانه. و ان كان كامنا فليحرسه لئلّا يظهر و ينبغي للانسان ان يعدّ لنفسه ثوابا و عقابا يسوسها به فاذا حسنت طاعتها و سلس انقيادها لما يسومها من قبول الفضائل و ترك الرذائل اذا اتت بخلق كريم او منقبة شريفة اثابها باكثار حمدها و جلب السرور لها و تمكينها من بعض لذّاتها و اذا ساءت طاعتها و امتنع انقيادها و جمحت فلم يسلس عنانها و آثرت الرذائل علي الفضائل و اتت بخلق لئيم او فعل ذميم عاقبها باكثار ذمّها و لومها و جلب عليها شدّة الندامة و منعها لذّتها حتي تلين له‌

2 في سياسة الرجل دخله و خرجه‌

2 في سياسة الرجل دخله و خرجه
ان حاجة الناس الي الاقوات دعت كلّ واحد منهم الي السعي في اقتناء قوته من الوجه الذي الهمه اللّه قصده و سبّب رزقه من وجوه المطالب و سبل المكاسب. و لمّا كان الناس في باب المعيشة صنفين صنفا مكفيّا سعيه برزق مهنّا سبّب له من وراثة او جناه «1» و صنفا محوجا فيه الي الكسب ألهم هذا الصنف التسبّب الي الاقوات
__________________________________________________
(1) و في الاصل ماه
كتاب السياسة، ص: 10
بالتجارات و الصناعات و كانت الصناعات أوثق و أبقي من التجارات لان التجارة تكون بالمال و المال و شيك الفناء عتيد الآفات كثير الجوائح. و صناعات ذوي المروءة ثلاثة انواع: نوع من حيز العقل و هو صحّة الرأي و صواب المشورة و حسن التدبير و هو صناعة الوزراء و المدبرين و ارباب السياسة و الملوك. و نوع من حيز الادب و هو الكتابة و البلاغة و علم النجوم و علم الطب و هو صناعة الادباء و نوع من حيّز الأيد و الشجاعة و هو صناعة الفرسان و الأساورة. فمن رام احدي هذه الصناعات فليفز بإحكامها و التقدم فيها حتي يكون من اصحابها موصوفا بالفصاحة غير مرذول و لا مؤخّر و ليعلم انه ليس شي‌ء ازين بالرجل من رزق واسع وافق منه استحقاقا. ثم ليطلب معيشته بصناعة علي أعف الوجوه و أرفقها و أعفاها و ابعدها من الشره و الحرص و أنآها من الطمع الفاحش و المأكل الخبيث. و ليعلم ان كل فضل نيل بالمغالبة و المكابرة و بالاستكراه و المجاهدة و كل ربح حيز بالاثم و العار و مع سوء القالة و قبح الاحدوثة او ببذل الوجه و نزف الحياء او بثلم المروءة و تدنيس العرض زهيد و ان عظم قدره نزر و ان غزرت مادّته و بيل و ان ظهرت هناءته و خيم و ان كان في مرآة العين مريّا. و ان الصفو الذي لا كدر فيه و العفو الذي لا كدح معه و ان قلّ مقداره و خفّ وزنه أطيب مذاقا و اسلس مساغا و أنمي بركة و ازكي ريعا فاذا حاز الانسان ما اكتسبه فان من السيرة العادلة في ذلك ان يكون بعضه مصروفا في الصدقات و الزكوات و أرباب المعروف و بعضه مستبقي مدّخرا لنوائب الدهر و احداث الزمان. فأما الزكوات و الصدقات فينبغي ان يكون إخراجها بطيب النفس و حسن النيّة و انشراح الصدر و الثقة بانها العدّة ليوم الفاقة و ان يوضع معظمها في اهل الخلّة «1» ممّن يساتر الناس بفقره و لا يهتك ستر اللّه تعالي عن حاله و يتوخّي بباقيها (v 66) من تلحقه الرقّة «2» ممن ظهرت عيلته و بدت مسكنته و ان يجعل ذلك خالصا لوجه اللّه ذي الجلال و الاكرام فلا يستثمر له شكرا و لا يترصّد له جزاء و للمعروف شرائط احداها تعجيله فان تعجيله أهنأ له. و الثانية كتمانه فان كتمانه أظهر له. و الثالثة تصغيره فان تصغيره اكبر له. و الرابعة ربّه «3» و مواصلته
__________________________________________________
(1) الحاجة و الفقر
(2) الرحمة
(3) زيادته
كتاب السياسة، ص: 11
فان قطعه ينسي اوّله و يمحو اثره. و الخامسة اختيار موضعه فان الصنيعة اذا لم توضع عند من يحسن احتمالها و يؤدّي شكرها و ينشر محاسنها و يقابلها بالودّ و الموالاة كانت كالبذر الواقع في الارض السبخة التي لا تحفظ الحبّ و لا تنبت الزرع فامّا النفقات فان سددها و اصلاح امرها بين السّرف «1» و الشحّ و متردّد بين التضييع و التقدير «2» خلا ان بإزاء ذلك امرا يوجب حسن التثبّت و هو انه متي استوفي الانسان حقوق التقدير كلها و استعرف شرائط الاقتصاد اجمع لم يسلم في ذلك علي غميزة الغامز و ذلك النصفة و عموم الجور في العضيهة و شمول البغضاء الموكلة بكل مروءة تامّة و الحسد المغري بكل مجد باذخ و شرف شامخ. فلهذا ينبغي للعاقل ان يبني بعض امره في الاتفاق علي عقول عوامّ الناس و ان يستعمل كثيرا من التجوّز و الاغضاء في المواضع التي يخشي فيها شبه السرف و عار التضييع. فان من يمدح السرف من العوام اكثر ممن يمدح الاقتصاد و يؤثر التقدير كما ان من يمدح الاقتصاد و يؤثر التقدير اخص و اتمّ عقلا و احزم رأيا فامّا الذخيرة فلا ينبغي للعاقل ان يغفلها متي امكنته فان الانسان متي بدهه صرف الزمان بحاجة لم يكن مستظهر الحال فوق حاله و اضطرّ الي الاستعانة بالحال الحاضرة فيفصمها عروة عروة حتي يبقي معدما و اللّه وليّ الكفاية و حسن الدفاع‌

3 في سياسة الرجل اهله‌

ان المرأة الصالحة شريكة الرجل في ملكه و قيمته في ماله و خليفته في رحله.
و خير النساء العاقلة الدّينة الحييّة الفطنة الودود الولود القصيرة اللسان المطاوعة العنان الناصحة الجيب الامينة الغيب الرّزان في مجلس الوقور في هيبتها المهيبة في لإقامتها الخفيفة المبتذلة في خدمتها لزوجها تحسن تدبيرها و تكثّر قليله بتقديرها و تجلو احزانه بجميل اخلاقها و تسلّي همومه بلطيف مداراتها و جماع سياسة الرجل اهله بحسم وسط (كذا) ثلاثة امور لا تدعه و هي الهيبة الشديدة و الكرامة التامّة و شغل خاطرها بالمهم
__________________________________________________
(1) ضدّ القصد و الاعتدال
(2) التقدير كالتقتير يقال قدّر علي عياله اذا ضيّق
كتاب السياسة، ص: 12
امّا الهيبة فهي اذا لم تهب زوجها هان عليها و اذا هان عليها لم تسمع لامره و لم تصغ لنهيه ثم لم تقنع بذلك حتي تقهره علي طاعتها فتعود آمرة و يعود مأمورا و تصير ناهية و يصير منهيّا و ترجع مدبّرة و يرجع مدبّرا و ذلك الانتكاس و الانقلاب. و الويل حينئذ للرجل ما ذا يجلب له تمرّدها و طغيانها و يجنيه عليه قصر رأيها و سوء تدبيرها و يسوقه اليه غيّها و ركوبها هواها من العار و الشنار و الهلاك و الدمار. فالهيبة رأس سياسة الرجل اهله و عمادها و هي الامر الذي ينسدّ به كل خلّة و يتم تمامه كلّ نقص و ينوب عن كل غائب و يغني عن كل فائت و لا ينوب عنه شي‌ء و لا يتم دونه امر فيما بين الرجل و اهله. و ليست هيبة المرأة بعلها شيئا غير إكرام الرجل نفسه (r 67) و صيانة دينه و مروءته و تصديقه وعده و وعيده امّا كرامة الرجل اهله فمن منافعها ان الحرّة الكريمة اذا استجلت كرامة زوجها دعاها حسن استدامتها لها و محاماتها عليها و إشفاقها من زوالها الي أمور كثيرة جميلة لم يكد الرجل يقدر علي إصارتها اليها من غير هذا الباب بالتكلف الشديد و المئونة الثقيلة.
علي ان المرأة كلما كانت اعظم شأنا و افخم امرا كان ذلك ادلّ علي نبل زوجها و شرفه و علي جلالته و عظم خطره. و كرامة الرجل اهله علي ثلاثة اشياء في تحسين شارتها و شدة حجابها و ترك إغارتها و امّا شغل الخاطر بالمهمّ فهو ان يتّصل شغل المرأة بسياسة اولادها و تدبير خدمها و تفقّد ما يضمّه خدرها من اعمالها فان المرأة اذا كانت ساقطة الشغل خالية البال لم يكن لها همّ الّا التصدي للرجال بزينتها و التبرج بهيأتها و لم يكن لها تفكير الّا في استرادتها فيدعوها ذلك الي استصغار كرامته و استقصار زمان زيادته و تسخط جملة إحسانه‌

4 في سياسة الرجل ولده‌

ان من حقّ الولد علي والديه إحسان تسميته ثم اختيار ظئره كي لا تكون حمقاء و لا ورهاء «1» و لا ذات عاهة فان اللبن يعدي كما قيل. فاذا فطم الصبي عن الرضاع بدئ بتأديبه و رياضة اخلاقه قبل ان تهجم عليه الاخلاق اللئيمة و تفاجئه الشيم الذميمة فان الصبي تتبادر اليه مساوئ الاخلاق و تنثال عليه الضرائب الخبيثة فما
__________________________________________________
(1) اي ذات خرق و سوء رأي
كتاب السياسة، ص: 13
تمكّن منه من ذلك غلب عليه فلم يستطع له مفارقة و لا عنه نزوعا فينبغي لغنم الصبيّ ان يجنّبه مقابح الاخلاق و ينكب عنه معايب العادات بالترهيب و الترغيب و الإيناس و الإيحاش و بالإعراض و الاقبال و بالحمد مرّة و بالتوبيخ أخري ما كان كافيا. فان احتاج الي الاستعانة باليد لم يحجم عنه و ليكن اوّل الضرب قليلا موجعا كما اشار به الحكماء قبل بعد الارهاب الشديد و بعد إعداد الشفعاء فان الضربة الاولي اذا كانت موجعة ساء ظنّ الصبي بما بعدها و اشتدّ منها خوفه و اذا كانت الاولي خفيفة غير مؤلمة حسن ظنه بالباقي فلم يحفل به فاذا اشتدت مفاصل الصبي و استوي لسانه و تهيّأ للتلقين و وعي سمعه أخذ في تعلّم القرآن و صوّر له حروف الهجاء و لقّن معالم الدين. و ينبغي ان يروي الصبي الرجز ثم القصيدة فان رواية الرجز اسهل و حفظه امكن لان بيوته اقصر و وزنه أخفّ. و يبدأ من الشعر بما قيل في فضل الادب و مدح العلم و ذم الجهل و عيب السخف و ما حثّ فيه علي برّ الوالدين و اصطناع المعروف و قري الضيف و غير ذلك من مكارم الاخلاق و ينبغي ان يكون مؤدّب الصبي عاقلا ذا دين بصيرا برياضة الاخلاق حاذقا بتخريج الصبيان و وقورا رزينا بعيدا من الخفّة و السخف قليل التبذّل و الاسترسال بحضرة الصبي غير كزّ «1» و لا جامد بل حلوا لبيبا ذا مروءة و نظافة و نزاهة قد خدم سراة الناس «2» و عرف ما يتباهون به من اخلاق الملوك و يتعايرون به من أخلاق السّفلة و عرف آداب المجالسة و آداب المؤاكلة (v 76) و المحادثة و المعاشرة و ينبغي ان يكون مع الصبي في مكتبه صبية من اولاد الجلّة «3» حسنة آدابهم مرضيّة عاداتهم فان الصبيّ عن الصبي ألقن و هو عنه آخذ و به آنس. و انفراد الصبي الواحد بالمؤدّب اجلب الأشياء لضجرهما فاذا راوح المؤدّب بين الصبيّ و الصبيّ كان ذلك أنفي للسآمة و أبقي للنشاط و أحرص للصبيّ علي التعلم و التخرّج فانه يباهي الصبيان مرة و يغبطهم مرة و يأنف من القصور عن شأوهم «4» مرة. ثم يحادث الصبيان و المحادثة تفيد انشراح العقل و تحلّ منعقد الفهم. لانّ كلّ واحد من اولئك انّما يتحدث بأعذب ما رأي و أغرب ما سمع فتكون غرابة الحديث سببا للتعجب منه و التعجب
__________________________________________________
(1) منقبض الوجه عابس
(2) اي وجوههم
(3) العظام و السادة
(4) الشأو الامد و الغاية
كتاب السياسة، ص: 14
منه سببا لحفظه و داعيا الي التحدّث به. ثم انهم يترافقون و يتعارضون الزيارة و يتكارمون و يتعاوضون الحقوق و كل ذلك من أسباب المباراة و المباهاة و المساجلة «1» و المحاكاة و في ذلك تهذيب لأخلاقهم و تحريك لهممهم و تمرين لعادتهم و اذا فرغ الصبي من تعلّم القرآن و حفظ اصول اللغة نظر عند ذلك الي ما يراد ان تكون صناعته فوجّه لطريقه. فان أراد «2» به الكتابة اضاف الي دراسة اللغة دراسة الرسائل و الخطب و مناقلات الناس و محاوراتهم و ما اشبه ذلك و طورح الحساب و دخل به الديوان و عني بخطه. و ان أريد أخري أخذ به فيها بعد ان يعلم مدبّر الصبي ان ليس كل صناعة يرومها الصبي ممكنة له مؤاتية لكن ما شاكل طبعه و ناسبه و انه لو كانت الآداب و الصناعات تجيب و تنقاد بالطلب و المرام دون المشاكلة و الملاءمة اذن ما كان أحد غفلا من الأدب و عاريا من صناعة و اذن لأجمع الناس كلهم علي اختيار أشرف الآداب و أرفع الصناعات. و من الدليل علي ما قلنا سهولة بعض الادب علي قوم و صعوبته علي آخرين و لذلك نري واحدا من الناس تؤاتيه البلاغة و آخر يؤاتيه النحو و آخر يؤاتيه الشعر و اخر يؤاتيه الخطب و آخر يؤاتيه النسب. و لهذا يقال بلاغة القلم و بلاغة الشعر. فاذا خرجت عن هذه الطبقة الي طبقة أخري وجدت واحدا يختار علم الحساب و آخر يختار علم الهندسة و آخر يختار علم الطب و هكذا تجد سائر الطبقات اذا افتليتها طبقة طبقة حتي تدور عليها جميعها. و لهذه الاختيارات و هذه المناسبات و المشاكلات أسباب غامضة و علل خفيّة تدقّ عن افهام البشر و تلطف عن القياس و النظر لا يعلمها الّا اللّه جلّ ذكره و ربّما نافر طباع انسان جميع الآداب و الصنائع فلم يعلق منها بشي‌ء. و من الدليل علي ذلك أن اناسا من اهل العقل راموا تأديب اولادهم و اجتهدوا في ذلك و انفقوا فيه الاموال فلم يدركوا من ذلك ما حاولوا. فلذلك ينبغي لمدبّر الصبي اذا رام اختيار الصناعة ان يزن اوّلا طبع الصبي و يسبر قريحته و يختبر ذكاءه فيختار له الصناعات بحسب ذلك فاذا اختار له احدي الصناعات تعرّف قدر ميله اليها و رغبته فيها و نظر هل جرت منه علي عرفان ام لا و هل ادواته و آلاته مساعدة له عليها ام
__________________________________________________
(1) المفاخرة و المباراة
(2) اي استاذه و مدبّره او ابوه
كتاب السياسة، ص: 15
خاذلة ثم يبت العزم فان ذلك أحزم في التدبير و أبعد من ان تذهب ايام الصبي (r 68) فيما لا يؤاتيه ضياعا فاذا وغل الصبي في صناعته بعض الوغول فمن التدبير ان يعرض للكسب و يحمل علي التعيّش منها فانه يحصل في ذلك له منفعتان احداهما اذا ذاق حلاوة الكسب بصناعته و عرف غناها وجداها عظيمين لم يضجّع «1» في إحكامها و بلوغ أقصاها و الثانية أنه يعتاد طلب المعيشة قبل ان يستوطئ حال الكفاية فانّا قلّ ما رأينا من ابناء المياسير من سلم من الركون الي مال ابيه و ما أعدّ له من الكفاية. فلمّا عوّل علي ذلك قطعه عن طلب المعيشة بالصناعة و عن التحلّي بلباس الأدب. فاذا كسب الصبي بصناعته فمن التدبير ان يزوّج و يفرد رحله «2»

5 في سياسة الرجل خدمه‌

ان سبيل سياسة الخدم و القوّام من الانسان سبيل الجوارح من الجسد. و كما ان قوما قالوا حاجب الرجل وجهه و كاتبه قلمه و رسوله لسانه كذلك نقول ان حفدة الرجل يده و رجله لان من كفاك التعاطي بيدك فقد قام عندك مقامها و من كفاك السعي برجلك فقد ناب عنك منابها و من حفظ لك ما تحفظه عينك فقد كفاك كفايتها.
فغناء الخدم عنك ايها الانسان كثير و نفع القوّام ايّاك جزيل و لولاهم لارتج دونك باب من الراحة كبير و لا نسدّ عنك طريق من النعمة مهيع «3» و لاضطررت الي مواصلة القيام و القعود و الي مواترة الإقبال و الإدبار و في ذلك إتعاب الجسد و هو يعدّ من امارات الخفّة و دلائل النزق «4» و سبل المهانة و الضّعة و فيه سقوط الهيبة و ذهاب الرزانة و الركانة و بطلان الأبّهة و طرح السمت و الوقار. و بثبات هذه الخصال يباين المخدوم الخادم و الرئيس المرءوس فينبغي لك ان تحمد اللّه عزّ و جلّ علي ما سخّر لك منهم و ما كفاك و ان تحوطهم
__________________________________________________
(1) ضجّع في الامر قصّر فيه
(2) مثواه
(3) واسع بين
(4) العجلة في حمق و جهل
كتاب السياسة، ص: 16
و لا تقصيهم و لا تتفقدهم و لا تهملهم و ترفق بهم و لا تحرجهم فانهم بشر يمسّهم من الكلال و اللغوب و من السآمة و الفتور ما يمسّ البشر و تدعوهم دواعي حاجاتهم و ارادات اجسامهم الي ما في طباع البشر ارادته و الحاجة اليه و طريق اتخاذ الخدم ان لا يتخذ الانسان خادما الّا بعد المعرفة و الاختبار له و الّا بعد سبره و امتحانه فان لم تستطع ذلك فينبغي ان تعمل فيه التقدير و الفراسة و الحدس و التوسّم و ان تضرب عن الصور المتفاوتة و الخلق المضطربة فان الاخلاق تابعة للخلق.
و من امثال الفرس: احسن ما في الذميم وجهه. و ان تجانب ذري العاهات كالعوران و العرجان و البرصان و نحوهم و ان لا تثق منهم بذي الكيس «1» الكثير و الدهاء البيّن فانه لا يعري من الخبّ «2» و لا يسلم من المكر. و يؤثر اليسير من العقل و الحياء علي كثير من الشهامة و الخفّة فاذا فرغ من ذلك فلينظر لايّ امر يصلح الخادم الذي يتّخذه و اي صناعة ينتحل و ما الذي يظهر رجحانه فيه من الاعمال فليسنده اليه و ليستكفه ايّاه و لا ينقلنّ الخادم من عمل الي عمل و لا يحوّلنّه من صناعة الي صناعة فان ذلك من امتن أسباب الدمار و قوي دواعي الفساد. و ما يشبّه من يفعل ذلك الّا بمن يكلّف الخيل الكراب «3» و البقر الإحضار لان لكلّ انسان بابا من المعارف و فنّا من الصناعات قد سمح له به طباعه و أفادته اياه (v 68) غريزته فصار لديه كالسجيّة التي لا حيلة في تركها و الضريبة «4» التي لا سبيل الي مفارقتها. فمتي نقل الانسان الخادم مما قد احسنه و اتقنه و مارسه و لابسه و ألفه و اعتاده الي ما يختاره له برأيه و ينتخبه له بارادته ممّا ينافر طباعه و يضادّ جوهره أفسد عليه نظام خدمته و جبره في طريق مهنته فعاد كالرّيض «5» ثم لا يفيده ممّا نقله اليه بابا الّا بنسيان ابواب ممّا نقله عنه. و متي عاد به الي الامر الأول وجده فيه أسوأ حالا منه فيما نقله اليه
__________________________________________________
(1) الظرف و الفطنة
(2) الخداع
(3) يقال كرب الارض كرابا اي أثارها و قلبها للزرع
(4) الضريبة الطبع
(5) من يكون في اوّل ما يراض‌

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.